کد مطلب:71012 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:891

اقل الناس مؤونة و أکثرهم معونة











قال عروة بن الزبیر: كنّا فی مسجد رسول الله فتذاكرنا أعمال أهل بدر وبیعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: یا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالاً وأكثرهم ورعاً وأشدهم اجتهاداً فی العبادة؟

قالوا: من؟

قال: علی بن أبی طالب.

قال: فوالله، إن كان فی جماعة أهل المجلس إلا معرض عنه بوجهه، ثم انتدب له رجل من الأنصار فقال له: یا عویمر، لقد تكلمت بكلمة ما وافقك علیها أحد منذ أتیت بها، فقال أبو الدرداء: یا قوم، إنی قائل ما رأیت، ولیقل كل قوم منكم ما رأوا، شهدت علی بن أبی طالب بشویحطات النجار وقد اعتزل عن موالیه واختفی ممن یلیه واستتر بمغیلات النخل، فافتقدته وبعد علی مكانه، فقلت: لحق بمنزله، فإذا أنا بصوت حزین ونغمة شجی وهو یقول: «إلهی كم من موبقة حملت عنی فقابلتها بنعمتك، وكم من جریرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهی، إن طال فی عصیانك عمری وعظم فی الصحف ذنبی فما أنا مؤمل غیر غفرانك، ولا أنا براج غیر رضوانك».

فشغلنی الصوت واقتفیت الأثر فإذا هو علی بن أبی طالب بعینه، فاستترت له فأخملت الحركة، فركع ركعات فی جوف اللیل الغابر، ثم فزع إلی الدعاء والبكاء والبث والشكوی، فكان مما به الله ناجی أن قال: «إلهی أفكر فی عفوك فتهون علی خطیئتی، ثم أذكر العظیم من أخذك فتعظم علی بلیتی». ثم قال: «آه إن أنا قرأت فی الصحف سیئة أنا ناسیها وأنت محصیها، فتقول: خذوه، فیا له من مأخوذ لا تنجیه عشیرته ولاتنفعه قبیلته، یرحمه الملأ إذا أذن فیه بالنداء ـ ثم قال: ـ آه من نار تنضج الأكباد والكلی، آه من نار نزاعة للشوی، آه من غمرة من ملهبات لظی».

قال: ثم انغمر فی البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب علیه النوم لطول السهر، أوقظه لصلاة الفجر، قال أبو الدرداء: فأتیته فإذا هو كالخشبة الملقاة! فحركته فلم یتحرك وزویته فلم ینزو! فقلت: إنا لله وإنا إلیه راجعون، مات والله علی بن أبی طالب قال: فأتیت منزله مبادرا أنعاه إلیهم فقالت فاطمة: «یا أبا الدرداء، ما كان من شأنه ومن قصته؟» فأخبرتها الخبر فقالت: «هی والله یا أبا الدرداء الغشیة التی تأخذه من خشیة الله»، ثم أتوه بماء فنضحوه علی وجهه فأفاق ونظر إلی وأنا أبكی فقال: «مما بكاؤك یا أبا الدرداء؟»

فقلت: مما أراه تنزله بنفسك.

فقال: «یا أبا الدرداء، ولو رأیتنی ودعی بی إلی الحساب وأیقن أهل الجرائم بالعذاب واحتوشتنی ملائكة غلاظ وزبانیة فظاظ فوقفت بین یدی الملك الجبار، قد أسلمنی الأحباء، ورحمنی أهل الدنیا، لكنت أشد رحمة لی بین یدی من لا تخفی علیه خافیة».

فقال أبو الدرداء: فوالله، ما رأیت ذلك لأحد من أصحاب رسول الله[1] .

نعم، إن أمیرالمؤمنین، هو العالم العابد، والتقی الزاهد، والأبی المجاهد فی سبیل الله، وهو الضحّاك إذا اشتد الضراب، فتجده عندما یقبل علی ساحة المعركة للجهاد فی سبیل الله یقبل وهو مبتسم مبتهج، مشتاق إلی لقاء الله ورضوانه فی حین كان الآخرون یرتجفون من دهشتها، ویهابون الموت ویكرهونه[2] ، لأنه كان یعلم أنه قد أدّی ما علیه من واجبات وأنجز ما علیه من تكالیف، فهو لن یخشی الحرب وضراوتها، لأنه ما كان خائفاً من لقاء الموت بل یری فی الموت لذة وسعادة لأنه لقاء الله تبارك وتعالی[3] .

قال الناشئ الصغیر:


علی الدر والذهب المصفی
وباقی الناس كلهم تراب


إذا لم تبر من أعدا علی
فما لك فی محبته ثواب


إذا نادت صوارمه نفوساً
فلیس لها سوا نعم جواب


فبین سنانه والدرع سلم
وبین البیض والبیض اصطحاب


هو البكاء فی المحراب لیلاً
هو الضحاك إن جدَّ الضراب


ومن فی خفه طرح الأعادی
حباباً كی یلبس الحباب


فإن الإمام عندما ضربه أشقی الأشقیاء قال: «فزت وربّ الكعبة»[4] ؛ لأنه كان مطمئناً بأنه قد أدی الواجب الشرعی الذی كُلِّف به علی أتم صورة، وهذا ما نراه واضحاً من كلامه مع ابنته أم كلثوم، فانه لما رآها تبكیه عشیة وفاته قال لها: «ما یبكیك یا بنیة؟».

فقالت: «ذكرت یا أبة أنك تفارقنا الساعة فبكیت».

فقال لها: «یا بنیة لا تبكین، فو الله لو ترین ما یری أبوك ما بكیت»

قال حبیب: فقلت له: و ما الذی تری یا أمیرالمؤمنین؟.

فقال: «یا حبیب، أری ملائكة السماء والنبیین [والأرضین] بعضهم فی أثر بعض وقوفا إلی أن یتلقونی، وهذا أخی محمد رسول الله جالس عندی، یقول: أقدم، فإن أمامك خیر لك مما أنت فیه»[5] .

وقد قال فی مكان آخر: «والله، إن ابن أبی طالب لآنس بالموت من الطفل بثدی أمه»[6] .







    1. أمالی الشیخ الصدوق: ص77 المجلس18 ح9.
    2. أمالی الشیخ الصدوق: ص77 المجلس18 ح9.
    3. الغدیر: ج4 ص26 القرن الرابع، الناشئ الصغیر 271-365هـ.
    4. وتشهد له وقائع عدة من أبرزها وقعة الأحزاب ویوم الخندق وغزوة خیبر وغیرها كثیر. أنظر فی تفصیل ذلك بحارالأنوار: ج20 ص188 ب17 وب11 وب12 الخ.
    5. أمالی الشیخ الصدوق: ص318 المجلس 52 ح4.
    6. نهج البلاغة، الخطبة: 5 من خطبة له لما قبض رسول الله.